التفكير الاستراتيجي في الإدارة الاستراتيجية - الأهمية والمميزات والانماط
يرتبط التفكير الاستراتيجي بضرورة تقييم واقع الحال، ومعرفة ما يجب أن يكون هذا الواقع في المستقبل، وكذلك ضرورة التطور للأفضل. لذا فالتفكير الاستراتيجي ضرورة يجب أن تنتهج لارتباطه بهذه الأمور الجوهرية، وليس ترفاً فكرياً. إن توافر القدرات والمهارات ضرورياً لقيام الفرد بممارسة مهام الإدارة الاستراتيجية, بحيث يمد صاحبه بالقدرة على فحص عناصر البيئة المختلفة والقيام بإجراء التنبؤات المستقبلية الدقيقة مع إمكانات صياغة الاستراتيجية واتخاذ القرارات المتكيفة في ظروف التطبيق والقدرة على كسب معظم المواقف التنافسية بالإضافة إلى إدراك الأبعاد الحرجة والمحورية في حياة المنظمة والاستفادة من مواردها النادرة .
ويصعب تصور وجود تفكير استراتيجي أو نجاحه في منشأة ما إذا لم تكن القيادة أو الإدارة العليا فيها مهتمةً بهذا التوجه وتقدم له الدعم المطلوب بشكل واضح وفعلي. فالعملية الاستراتيجية تتعلق بالتوجه العام وتتعلق بتغييرات مهمة وجذرية. لذا فإن دعم والتزام القيادة متطلب سابق وضروري لنجاح هذه العملية، والمعول عليه في قياس هذا الالتزام والدعم هو اعتقاد أعضاء المنشأة بوجوده. ويتعدى التزام القيادة مجرد الموافقات الإدارية المتعارف عليها، إذ يتطلب وجود الدعم بشكل مستمر وملموس بما لا يدع مجالا للشك حول موقف القيادة من الاستراتيجية، خاصة في نظر أعضاء المنشأة. إن اعتقاد الأعضاء ونظرتهم هو المعول عليه في قياس الدعم والالتزام وليس فقط اعتقاد ونظرة القيادة نفسها. وباختصار، فالتزام القيادة متطلب سابق لالتزام بقية الأعضاء والتزام الأعضاء متطلب سابق للتنفيذ الصادق ، ونتيجة لذلك فالتزام القيادة ضروري لتنفيذ الاستراتيجية. تطوير الوعي والقدرات لدفع التفكير الاستراتيجي لصانعي القرار، والتفكير الجماعي المنظوماتي، لضمان جودة الخطط الاستراتيجية وتيسير تنفيذها بأقل الإشكالات المتوقعة(الفردان,1:2013).
تعريف التفكير الاستراتيجي:
شهد الفكر الاداري المعاصر استخداماً واسعاً لمصطلح التفكير الاستراتيجي وقد عرفه محمد بأنه "تللك العمليات العقلية المعرفية التي يستخدمها القائد لحظة النظر إلى المشكلات التي تتطلب اتخاذ قرارات, وبتطلب التعامل مع البعد استحضار الحالة الفعلية التي يجابهها القائد بدقة متناهية" (محمد,52:2002). في حين عرفه الخفاجي بأنه " أسلوب تحليل المواقف التي تواجه المنظمة والتي تتميز بالتحدي والتغير, ومن ثم التعامل معها من خلال التصور لضمان بقاء المنظمة وارتقائها بمسئولياتهم الاجتماعية والأخلاقية حاضراً ومستقبلاً" (الخفاجي,74:2004). بينما عرفه عابد "هو القدرة على توحيد مختلف الرؤى والطروحات الغامضة والمعقدة، مع الأخذ في الاعتبار الماضي والحاضر والمستقبل، وتقييم المعلومات والمخرجات من خلال مناظير علمية وحيوية وإبداعية وعليه، فإطاره الإبداع والتميز والابتكار، ومداه يرتكز على أسس وقواعد وأصول البحث العلمي في توظيف المنهجية البحثية المناسبة، والمرتكزة على دقة التوقعات والتنبؤات والاحتمالات ، وإيجاد فرضيات وافتراضات متوافقة مع واقع الطرح(عابد,9:2010).
أهمية التفكير الاستراتيجي:
إن التفكير الاستراتيجي يشير إلى توافر القدرات والمهارات الضرورية للقيام بالتنبؤات المستقبلية, مع امكانية صياغة الاستراتيجيات واتخاذ القرارات المتكيفة مع حياة المنظمة لكسب معظم المواقف التنافسية في ظل مواردها المحدودة (سليمان,246:2004).
ويمكن توضيح أهمية التفكير الاستراتيجي من خلال النقاط التالية:
o ترتيب الأوليات وتحديدها وإشاعتها بين العاملين.
o تطوير القدرة على تشكيل المستقبل.
o وضوح الرؤية فهو مثل البصر والبصيرة للإنسان.
o تقليل نسبة الخطأ في التعامل مع المواقف واتخاذ القرارات.
o التطوير والتحديث المستمرين مما يلزم لتحسين الأداء.
o حسن التعامل مع الحداث والوقائع من خلال استغلال عنصر الوقت.
o الاستعداد بالحجم الكافي من الامكانيات الفكرية والمادية والبشرية. (الهلباوي,9:2004)
مميزات التفكير الاستراتيجي:
حدد كل من الطويل مميزات التفكير الاستراتيجي على النحو التالي:
1- تفكير منظم: لأنه يعتمد على الرؤية الشمولية للعالم المحيط, ولربطه الأجزاء في شكلها المنتظم, ولانطلاقه من الكليات في فهمه للظواهر وتحليله للأحداث.
2- تفكير تطويري: يبدأ من المستقبل ليستمد منه صورة الحاضر, و ينطلق من الرؤية الخارجية ليتعامل من خلالها مع البيئة الداخلية.
3- تفكير افتراقي او تباعدي: لأنه يعتمد على الابداع و الابتكار في البحث عن افكار جديدة و يكتشف تطبيقات مستحدثة لمعرفة سابقة
4- تفكير تنافسي: لأنه يُقر انصاره بواقعية الصراع بين الأضداد و القوي و يتطلعون الى اقتناص الفرص قبل غيرهم
5- تفكير تركيبي وبنائي: لأنه يعتمد على الإدراك، الاستبصار والحدس لاستحضار الصور البعيدة ورسم ملامح المستقبل قبل حدوثه.
6- تفكير تفاؤلي انساني: لأنه يؤمن بقدرات وطاقات الانسان العقلية على اختراق العالم المجهول، والاحتمالات التي يمكن حدوثها (الطويل,2001).
أنماط التفكير الاستراتيجي:
تتعدد أنماط التفكير الاستراتيجي تبعاً للمواقف التي يجابهها متخذو القرار, وفقاً لأساليب اختيارهم للبدائل الاستراتيجية، وتصنف على النحو التالي:
1- نمط التفكير الشمولي: يهتم القائد الاستراتيجي بتحديد الإطار العام للمشكلة, ويعتمد في ذلك على خبرته المتراكمة في تحديد أولويات العوامل التي تؤثر في المشكلة, وصياغة أطر النتائج المستهدفة (Lyles & Thomas, 131:1988).
2- نمط التفكير التجريدي: يهتم القائد الاستراتيجي بحصر العوامل العامة المحيطة بالمشكلة في إطار انتقائي, يقوم على فلسفة متخذ القرار وتوجهاته, وغالباً ما يطبق ميوله وقيمه التي تتحدد فيضوء حدسه أو خياله. ويقترب هذا النمط من مفهوم التفكير الاستراتيجي القائم على التغيير الجذري لمسار الوضع القائم, إذ أن التفكير في ما يجب أن يكون يعني التفكير في صياغة الأدوار الجديدة للمنظمة (محمد,71:2002).
3- نمط التفكير التشخيصي: يؤكد على إجراء تحليل دقيق للموضوع المراد اتخاذ قرار بصدده, ومن ثم تشخيص أهم دواعي اتخاذ القرار, وبالتالي اختيار البديل المناسب وصولاً إلى حلول حتمية. ويحدد متخذ القرار محاور تفكيره بالأسباب التي تقف وراء المشكلة اذ يعتمد عل قانون السببية في التحليل و التحقق من قوة العلاقة و معنويتها . و عند اختيار الحل النهائي للمشكلة يبحث في مدى استجابة الحلول العلمية لمعالجة الموقف, ويتجلى هدف متخذ القرار في الوصول إلى حكم مبني على التسليم المطلق بوجود المتغيرات في عالم الواقع, ولا يمكن استثناء عوامل الغموض البيئي في تأثيرها في نتائج صدق القرار, وبذلك تستكمل عملية التشخيص بتحديد مصادر الغموض التي تحيط بالأسباب والعمل على تخفيفها (يونس,130:2006).
4- نمط التفكير التخطيطي: يتجه هذا النمط نحو تحديد النتائج الممكنة كمرحلة أولى في التفكير, ثم تهيئة مستلزمات الوصول لتلك النتائج, حيث يركز هذا النمط بشكل أقل على حتمية توافر جميع الأسباب الكامنة وراء المشكلة, ولا بد للسماح لعنصر المرونة في تحديد الأسباب والمعلومات ومصادرها, أو الحلول والأهداف الملراد حصرها لأغراض اتخاذ القرار (Hamal & Prahalad, 1989:63-69).
الخطوات العشرة لممارسة التفكير الاستراتيجي:
1- تحليل البيئة الداخلية والخارجية من خلال استخدام جميع التغيرات وتحليلها, لاكتشاف ما توفره البيئة الخارجية من فرص وما ينتج عتها من مخاطر ومعوقات, مع معاودة النظر في هذه التحليلات بدقة وفي فترات منتظمة لا تزيد عن ستة أشهر, لتيسير جمع المعلومات, واستيعاب التغيرات المتلاحقة والاستعداد لأي طارئ.
2- تحليل القيمة المضافة والميزة التنافسية, ومقارنتها بالقيمة المضافة التي حققتها المنظمات الأخرى المماثلة.
3- تحليل وضع المنافسة بالنظر إلى القوى الخارجية للتهديد مثل عناصر جديدة تدخل السوق للأول مرة أو ظهور منتجات جديدة. ولابد من الأخذ بعين الاعتبار المقدرة الاقتصادية للمنظمة والمنظمات المنافسة ووضع السوق والمقدرة الاقتصادية للعملاء, والتفاعل بينهم والتغير في وضع المنافسة.
4- التوفيق بين المتغيرات البيئية الرئيسية ومح ومحاولة التنبؤ بما ستكون العوامل الخارجية المؤثرة في مستقبل المنظمة, ومتابعتها بشكل منتظم ووضع نماذج تفسيرية لمواجه وفهم التغيرات الغير منتظمة والغير مؤكدة التي قد تواجه المنظمة.
5- إعداد عدة سيناريوهات بديلة للمستقبل من خلال استشعار البيئة الخارجية, ورصد أي اشارات قد تكون غالباً نذيراً بحدوث تغيرات رئيسية كبرى.
6- مناقشة وتحليل كل سيناريو مستقبلي, ومناقشة الآثار المختلفة المترتبة على كل سيناريو على المنظمة.
7- اتخاذ القرارات بشأن السياسات والاستراتيجيات الخاصة بالمنظمة.
8- اتخاذ القرارات الخاصة بالتوزيع الاستراتيجي للموارد الكفيلة بتحقيق تلك الاستراتيجيات والكفاءات.
9- البدء في عملية التخطيط الاستراتيجي.
10- إعادة تشكيل عمليات التغذية الراجعة حتى يتم ربط التغيرات البيئية مع الخطط والاستراتيجيات المختلفة (المغربي,55:1999).
المقومات الرئيسية لممارسة التفكير الاستراتيجي:
ذكر المنيف (137:1992) أنً تلك المقومات لممارسة التفكير الاستراتيجي يطلق عليها جمود التفكير الحدسي ومن أسبابها:
1- الأسلوب المتبع في تحليل المشاكل وإيجاد حل جذري لها كالتركيز على الأساليب الكمية التحليلية والرياضية.
2- سلوك العاملين في الخضوع نحو الأعراف السائدة دون أن يتم تشجيعهم على الإبداع.
3- طبيعية التنظيم ورتابته وحضارته.
وأضاف المنيف (1992: 137) في هذا الصدد ما يلي:
1- تكريس الجهود والأفكار حول نقطة محددة أو بعدِ واحد فقط، والدفاع من وجهة النظر الأحادية دون قبول مبدأ الحوار.
2- جمود التفكير والتكلس في التفكير على علاج الحالة الجزئية.
معوقات التفكير الاستراتيجي:
أشار توفيق (2004: 35) إلى أن هناك عدة جوانب هامة يجب أن نأخذها في الاعتبار كمعوق للتفكير الاستراتيجي وهي:
1- العادات السيئة: الاتجاه بقوة وتركيز إلى تعلم أسلوب جديد، وبعد مضي فترة من الوقت يحاول خلالها المدير الكف عن العادات السيئة التي قد مارسها لفترة طويلة.
2- التسرع: حيث أن هناك بعض المهام يجب أن تأخذ نصيبها الكافي من الوقت ولا يمكن ضغط الوقت من أجل الحصول على النتائج المطلوبة.
3- عدم التوازن: إن نجاح أي مبادرة يتطلب التوازن الأمثل بين التفكير والتنفيذ.
4- الهامشية: إذ يجب اعتبار أن تنمية التفكير الاستراتيجي والعمل به جزء لا يتجزأ من الوظيفة الأساسية.
التفكير الاستراتيجي هو عقلانية التحليل ابداعية التطبيق
ردحذف