مدونة | الدكتور محمد طاهر صالح مدونة | الدكتور محمد طاهر صالح

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الدكتور محمد طاهر صالح - دكتور جامعي حاصل على الدكتوراه في مجال إدارة الاعمال والتسويق من جامعة قناة السويس . مصر - مستشار دولي في مجال الاستيراد والتصدير من معهد منظمة التجارة العالمية - مستشار تحكيم دولي في مجال منازعات الاستثمار وحقوق الملكية الفكرية من جامعة القاهرة . مصر - عضو المستشارين العرب والدوليين في مجال عقود الملكية الفكرية والمنازعات المصرفية من المعهد الامريكي للتدريب والتنمية في مصر - خبير في إعداد درسات الجدوى وإدارة وتقييم المشاريع - خبير في مجال التحليل الاحصائي عبر برنامج SPSS

  1. سلطان عادل خير من مطر وابل

    ردحذف
  2. بارك الله فيك اخي تامر
    مبدع كعادتك

    ردحذف
  3. عزيزي تامر التويج احسنت مقال رائع وفيه إثراء من المفردات اتمنى لك المزيد من التفوق والتقدم

    ردحذف
  4. والنعم فيك دكتور تامر كلام جميل وواقعي احسنت الطرح احسنت المقال وفقك الله ورعاك استاذي

    ردحذف
  5. والنعم فيك دكتورنا الغالي كلامك جميل وواقعي التمس قلوبنا بعد مسامعنا احسنت المقال وفقك الله وزادك علما ورفعك مقاما

    ردحذف
  6. ماشاءالله ابداع وتألق في كل نص مزيداً من التقدم والازدهار ان شاءالله

    ردحذف

قفص الحب في قلب السُلطانة

 الكــاتـــب ✍🏻/ تـــامــــر التــويــــج 


 العـدل في قامـوس السلاطين

ربما كانت الأيـام هي من تكتب والتاريخ هو من يدون ويلون الصفحات كيفما أراد وبأي وسيلة، وقد عصف التاريخ حقا ذلك الإنسان بكل عاصف وأنزله بخديعته كل ناكس وحاصف، بما كان يفعله بتهمه الإصلاح وإحداث التوازن بين الطبقيات والحيثيات التي تُصيرها، وفشل بذلك المبدأ في الإعتماد من فشل لا مثيل له،  لأنه كان الوسيلة الكاذبة والمحايدة في خط الورق، وكل من لحق وحلق في جملة التاريخ من سلاطين وملوك وأمراء وعمراء يبدو أنهم من أمروا بطمس الهويات ومحو السجيات ودفن الخبريات والأثريات عمن رأوا وعمن سمعوا بكراهية أو إعجاب، فالحب في قصور الأباطرة والسلاطين والملوك والوُلاة كان سجينا ومغلقا عليه في قفص التنازل عنه والابتعاد منه؛ وربما رأى عمداء الحكم أن السيادة تحتاج للقوة والقهر والشدة والحدة، وأن الحاكم يجب أن يكون نافر وعابسا في وجه الجميع،حتى لا يُفرط بالأقليات فالأقليات فالمصيريات ويذهب من السيادة والشموخ حيث لا عز له ولا طموح وربما أنتهى بالحب أن يكون خلف القضبان، يخرج متى شاء من شاء أن يحصل عليه ويطلق سراحه في رحاب أوجه الجميع، وهكذا تبقى الدهشة والحيـرة في الَّلبس والغموض حول مبتغيات السلاطين والعظماء والأباطرة، ومهما كانت شهوة السلطة وجموح السيطرة وأسراب الجباية وأفواج الجيوش والقوة، إلا أنك قـد تشاهد كل من يحكم  ويمتلك ويُسيَّر ويُصيَّر لـهُ جمـال التواضع بين الخلـق والرعيـة بما يحسبه نافعا ورافعا للسيادة والريادة وهذا بفضل الله يكون ومن كرمه؛ ولهيمنة العدل في المُلك عليـك أن تكون مُحبا للجميع وليس جبروتا وطاغوت لا تعرف مبـدأ ولا رحمـة كناهقٍ في كنـف طاغيةٍ كهنـوت، وناهيـك أن تعرف أنهُ لا يكتمـل تخت السلاطين هيبةً وعـزّ إلا بالعـدل والحقوق والمساواة في الاعتبار، فمنهل العدل أصفى من المـرآة بعد الصقال، ومن قريحة البليـغ الصائب في المقال، ومـورد الجور أكدر من هناء الطال، ومن الوعد الممزوج بالمطال _ ثم ألم يقل الحُكماء: مما يجب على السلطان هو العـدل في ظاهر أفعاله؛ لإقامة أمر سلطانه، وفي باطن ضميـره؛ لإقامة أمر دينه، هـذا وقد رددت العرب وأفصحت بأن السلاطين لا تصلحها إلا الطاعة والرعيـة لا يصلحها إلا العدل، وقد يخشى السلطان ألا يكون غير ذلك في مالـه المبذول وسيفه المسلول وحبه المدلول وخيره المنهول في الرعيـة والرقاب، وناهيـك ثم ناهيك أن تجـد السلطان هو من يُجهز للحرب ويعد العـدة للقتال والدفاع عن أرضـه ومدينتـه وقصـره وفخـره وتاجـه وعرشه، وقد لا يظـن الجُنـد بأنفسهم إلا مُنتصرين حينـما يرون السلطان يقود المعركة بنفسِـه ونَفَسـه لا يخاف أحد.


 السلطـان في درب العـدل ووقعـة الحـرب 


في منتهى الكدر الذي يضعه الجميع على كل شاردة وضاربة، وذاهبة وآيبـة، لم نستطع ولم نسطع القول أن الحـب لـمْ يكنْ يتيما في أرض السلطان وقصـره ولم يكن عقيما في محيطه ومصره، ولم يكن حتى معدوما في وقته وعصره، وإنّمـا بلغ الحال به ما بلـغ، فـالحرب في كـل حين تضع أوزارها وتُسعـر أطوارها في الحين نفسه، وما يلبث السلطان أن يسمع شيئا إلا ويُحدث بمثـل ما سمـع وأبلـغ، وهمته وعزيمته لا يُولِـيهما أحـد أو يُعيـر سِنامهما لأحد، غيـر ما بعث بغيـر ما نكث على طالبـه وغالبـه، ومن هنـا لا يمكن مطلقا أن تقتصر الحروب على ميادين القتال في وقتها الطويل وليلها العليل، كلا وكلا فليست هي الحرب وحدها توصف بذلك فقط؛ فتدبير الدولة وتسيير أمورها وشؤونها هي حرب داميـة لا يُعرف من المنتصر فيها من حاكمٍ ومحكوم وتـزكية لسُلطانٍ غير معصوم، فلا يمكن أن تعبر الجسر وأنت مُغمض العينين فـزلة الدرب من ضماء الكرب، وغيـر أن المقتصر والمتخاذل هو من يقطع بالرايـة البيضاء قبل هزيمته، ومـا لـه سوى أنَّ يُقاتل ببسالة وجسارة حتى يؤدي ما عليه، نعـم فهـذه هي حرب المسؤوليـة في ميدان القصر الهامد والباعد عن مفهوم الحرب والنزال ، إنَّها حـرب تحقيـق حق الرعيـة وخوف التفريط في مسؤوليـة وأمانـة الحكم، فمـا الحكم إلا أمانةً تُحفظ بها الحقوق لدى مُلوكها وتُشكى بها مظالم الخلق في سلطانها وتُسعد العامة في عدلها ومبدئها ونهجها السامي والرامي إلى إقامة العدل في أرض البشرية، وتُحكى بها عن خيوط الفجر التي تفجر الشروق بها من ظاهر العـدل _ والعدل مسؤوليـة في مآرب عقول الجميع يُدركها كـل مُشمرٍ ومُسعر وباسـلٍ ومُقصر؛ فالسلطان أخبـر الجميع أن مسؤولية الحكم تقع على عاتق الجميع وأن الأعذار في ساحة الحكم لا تُقبـل، فلا يلبث به الحـال أن يقـر أو يستقر في كُرسيه أو أريكتـه، فربما تقاعس عن الهمة والحزم حاجبـهُ الذي يسترخي في الجانب الآخـر من القصر، بينما عليـه أن يتفقد مظالم الرعية وينظر في حسابات الجُند ويبحث في إحتياجاتها _ وتلـك إذا كرَّتهم الأولـى وها هي الكَـرَّة الأُخـرى تتوجب على السلطان أن يخوض المعركة لتحقيق الغايـة الأولـى والشأوّ الأول وها هو كعادته يتأهب للخروج إلـى معركةٍ جديـدة وبعيـدة يأخذ على عاتقِه فيها التأميـل في النصر والرجـوع للقصر بالغنيمة وروح الفوز، وسؤدد المجـد التي عرفها بالعهـد من المهـد وحتى لحظتِه الكبـرى. 


 مقارعـة السُيـوف وأديـم الحُتـوف 


قبل أن يُسدل الستـار عن همة السلطان التي تكمن في وقاره وقامته ورجاحته وهامته، لن تراه إلا كغيره من الجند وتحت راية أمره وعلو كعبه الأغر، وهيهات هيهات أن يرى ذاته للكمال أعلا من غايته بين القِيال، وعلى فجاءة من التعبير أنتبه السلطان لنفسه وبدأ يُرتب الجيش بيـن ميمنة وميسرة ومُقدمةٍ ومَنظرة وتحت أرصُن النجائب والكتائب بدأت العجائب 

وبدأت معها طبول الحرب تقـرع وتشرع في شحذ نفوس الجيش نحو الحرب التي لا يريد السلطان أن يكون النكوس فيها مُخزيا، بـل مُجديـا بـأن يمنـح الجميع الصدر الرفيع بمـا يبـذل فيه من الصنيع، فتِجْفاف السلطان مُجهزٌ على سرج حصانه، ومهما كان به الحال في شكله المدرع وهيبتـه العظيمة في لِباس الحـرب، إلا أن النظر إليـه لا يُوحي سوى بالإعجاب به كما تقول سُلطانته وريحانتـه بحال من قالـتْ : تمشي النُّسورُ إليـه وهي لاهِيَةٌ، مَشْيَ العـذارَى عليهنّ الجلابيبُ،وهذا الجيش له عظمة ورهبـة وقـوة ورغبـة في حسم مصير الحرب، فحامية الجند على استعداد، وثكنـة البؤساء في حرص شديد ومتـاع عديد وثقـة تزيد عليهم قوة ووعيد لِما يمكن أن يأمر به السلطان في الحرب وتقويم الدرب، فهم أكفّـاء دون السلطان وما لهم نـُور ولا طَور ولا رأي أو شَور، ولـو رأيت السلطان تفاجئت بالجُرّأة ودخوله لِغمار الحرب وعَجاج الجنـد وقتـام حوافر العاديات، فقـد ثار الدَّمُ في عروقه وانساب عليـه في فروقه وتجعد عند شروقه مع وليـد الصبح، فيا له من قائدٍ صنديد لا فارهٍ ولا رعديد، قدره عـالٍ على عزمه وحزمه، طويـل النِجاد رفيـع العِمــاد كثيـر الرّماد مُحب الرِياد وعاشقٌ الجِياد، تجد فرسـهُ مُتقعرة قائمُ عُنقها، كأنّها حرون الباهلي، تكر وتفر وتُقبل وتُدبر وتُشرق وتُحلق بين ظُهراني العدو وصوب سِهامه وضِرامه، وفي زاوية أخرى من الحرب ستجد خليـل السلطان لم يقعد به الحـال أن يكون مُنظِما لأجناد الحلقة من دهليـز السلطان، فلا يمكن أن يكون قبل المعركة إلا مُنفرٍ للجيش مُناديا لنقبائِه ومُجهزا للجنائب والكتائب، فهو الكافل والحافل والباسل في دعم أبيه السلطان والمُناضل تحت رايتـه وغايته، ويا لقلب السلطان ما أصبره وأوقـره!! حينما يرى وزيره وولده نصب عينيه يقاتل ولا تعيبه زلـة أو تريبه علة أو تفقده عزيمة، نعم لا يأبـه السلطان لذلك فقد رباه على الشجاعة وخوض غمرات الحروب ومواجهة الكروب بدون خوف أو ضروب، وأمام العيون زدات حمية الجيش ونجاعته وتعاظمت بسالته وحِدته، وبين صولاتٍ وجولات تحت حَرّ الهاجرة والعابـرة فوق الجماجم والحَماحمْ والعَمائم والصَماصمْ، وبيـن واقعةٍ وفاجعة في مُجالدّة السيوف وضربها ومُطاحنة الرمـاح وفتكها، ومُداعسة السِهام ورميها، لم يسمع للغبراء والخضراء هديلٌ ولا غدير ولا حنحنة أو دمدمة ولم تزكى النفوس بريحان أو حرير أو زمبقٍ أو عبيـر، ورويـدا رويـدا وبعد أن رفعت الحرب عن ساقها وقـويت ضُروسها وحُروسها نـزل ريماس العـجـاج التي خلفته حوافر الصَّافِنات والعناجيّج وانخفض وغى الحرب وانتصر الجيش في المعركة ورُفعت رايـة النصر وتهللت أسارر عروسها السلطان وهلل الجند وبُشـر الجميع بالنصر  فعاد الجيش بالمتـاع والرِكـاب والغنيمة تحملها القوافل والنوافل، والسلطان لا يُغنيه شيء في نفسه عما فعل، إلا دمـوع النصر التي عـاد بها إلى القصـر. 


 البساطة سـر الأناقـة والخجل ليـس كالحياء 


استقبلت السُلطانة موكب السلطان من شُرفة القصر، بكل فيض محبتها وإطلالة قلبها المشرق، فالسلطانة ببساطتها تخلق الجمال في وجهها الآسـر وشعرها المسـرّح والممـوّج وذوائبـه السـوداء، وعيونها الحوراء والدعجاء، اللوزيـة والنجلاء، كأنها مُتخصرة ذات أرداف ومُتنظرة على أحداث، ومُتمكنة على أصداف الـدر المُضيء، مُمتشقة القـوام ومُقسمة المنطق، عليها المِعـرَض والمُليَّـةُ وطيـب الحُليـَّة، وكأن حالها يقول ما أحمقك يا ميسون؛ أعلى اللِّفْـقُ واللِّفـاق والخِفـقُ والتِّلْفـاق ، تقوليـن لَلُبـسُ عَبـاءةٍ وتَقـَرَّ عينـي أَحَـبُّ إلـيّ من لُبْـس الشُّفوفِ!!  ومـا ذاك يا ميسـون فكأنكن بلا نقاب أو حجاب أو نَّصيفُ أو  رَّصيف، نعم كانت السلطانة كذلك وأجمل فجيـدُها باهـرٌ وزيراف، تـُرى أوادجهُ كما تُرى الشمسٌ في كبد السمـاء والخرص في أُذنيها كشمعـةٍ مُضيئـة في ليلـة حالكة الظلام، إلا أن السلطانة وتذمرها من ميسون لم يكن ليزيدها جمالا بعد أن كان  خجلها مبطلا لجمالها الآسـر وما الخجل والمثل في ضرب واحد على الحياء ، فما كانت السلطانة إلا مثل الإنسان الذي لا يتحرك ولم يقتصر الحب في القصـر على بذلـه لقلب السلطانة الحيرانة التي تنتظر السلطان في مخدعها آيبـا من المعركة برمش النصر، بل كان الحب للأول قبل الأخير والمقاتل والأسير والنظير في القصر والوزير والحاجب والمنيـر وناهيك عن الإبتسامات المتواصلة التي كان  يطلقها حين عودته إلى القصر في وجه الرعية والجنود وحاشيته وأعيانه، فنظرة السلطان لكل هؤلاء تجلب الحب إلى قلوبهم وتديم ولائهم العفوي. 


 لقـاء السلاطيـن 

التقى السلطان بالسلطانة في شرفة القصر، وعينيه تلوّح في الأفـق، وها هو يقتـرب بمخايله ومناقبه ورونقه من سلطانته الساحرة والعابرة في سماء مُحيطه القصري، توقف السلطان فجأةً ودنا منها وأطلـق من فمه كلمةً تصـدع لها قلب السلطانة وانشق لها الفـؤاد المُتجمر والمُحتاط بكلمـات الحكم ومـداد الدولـة والولايـة، فقـال لها أُحبـك، فتظاهرت السلطانة بأنها لم تسمع فقالـت له : ماذا قلت أيها السلطان؟ فقال لها : كلام السلاطين لا يُعاد، فقالت له : وبصفتي السلطانة آمُرك أن تعيدها، فذُهل قليلاً ثم قال : أعشقـــــك يا مولاتـــــي وأُحبك يا سلطانة القصر والمصر والعصر!! صمتت وروحها تندفع لـرد تلك الكلمات، صمتت وفؤادها يحتـرق من وهـج تلك الجنادل المترامية الأطراف والحفنات التي ملأت قوس جفنيها وحدقتها بالقذى والأمواج التي أتاهتها في الصدى الذي خلفه صوت السلطان الخافت، فلـم يكن بوسعها أن تقول شيئـاً غير أن تجعل سرج لسانها يستوطن تلك الرشفات ليمتطي رمق الدلال ويحتسي رونق الجمال وينتهي عند مظنونه الحائل والذابل، نعم لقد صمتت السلطانة كثيرا ولم تكن تعلم أن السلطان شارك في المعركة كجندي مأمور وقاتل وأبلى فيها خيـر بلاء، فلما انتهـت من صمتها العجيب وطفقت مسرعةً كالعادة تلف عجلة قلبها في جوفها الأعمى وذنبها الأهمى، وصروفها وإن كانت لا تُعير لها اهتماما, فما جعلت لنفسها رحيقاً على بال أو شهداً على حال، نظـر السلطان إلى نفسه كثيرا وربما عـرف وأدرك أن الحب يُصنع ولا يُخلق بلحظات؛ فالسلطانـة لا تعـرف ذلك حقا، لقـد عبـرت نظرتـه الحزينـة والبائسـة عن شعـور الحاجـة للجمـال البـريء وعن اللسـان الجـريء، بقطع المفاتن والمحاسن عن الناظر للمنظور والعابـر للمضرور، والمنكود بعيشه للمغرور بطيشه، وإنْ وزعت النظـرات وأقامت العثرات وخلقت العبرات وأوقدت الجمرات وحاولت فك الشفرات بمشيتها ورقتها وعذوبة أنفاسها ومباسم قسماتها وضحكتها الأنيقة والرقيقة والرفيقة بقلب مُعجبها وروحها، فهي لا تُريد أن يُضرب بها المثل النيء كميسون العربية، ولا تريد أن تكون من تعيسات المشاعر وضامرات الحب وفاقدات الأسلوب والفاعلية، وفي مكتمل الأمل لا يمكن للأشواك أن تنكسر أو تزاول المخدع الذي ظلت فيـه وأروقت إليه وتبسمت على رحيقه وأوصدت من عروق منبته، وأيُما صار في جوفها أو دار في عقلها أو خار عن قوامها السديد وعزمها المجيد، لا يمكن أن تفقد الصورة التي استمرت في تخلديها وبقيت في ذاكراتها وأبانت كل طيب قلبها وموقفها الحازم والقائم في دفع برائتها بالحزم عهداً وبالعزم غايةً وفضلا، ولم يكن للسلطان سوى أن يقول لها إلا ما يقوله الفاقد لشيئه لدى من لا يعرف، أنتِ لا تعرفين الحب أيها السلطانة نعم لقد قال لها ذلك، ومالها سوى أن تستغرب مما قاله السلطان وادهشها، وكيف لا وهو يحول ويجول في القصر كل يوم آخـذا هم الدولـة والرعيـة دون أن ينظر لنفسه وقلبه، فاشفقت السلطانة على السلطان ولم تصدق كل ذلك، فقد ظنت أن تلك الكلمة سقطت سهوا من فـم السلطان وباح بها حول أُذينها المرهفتين بكل طلة وتبعثرت في دماغها حتى أوصدت، فربما طفقت تفكر أيُ بلـدٍ أو بلـدةٍ وقعت في يد السلطان، وأي معركةٍ ضروس انتصـر بها على أعدائه، فهي لم تتعود مسامعها على ذلك، فكل ما تفعله هو الجلوس مع أبنها الصغيـر الذي لم تُعرف مطاحنه ونواجذه وعيدانه وسواعده، أوا لـم يكن من الضروري أن تعرف السلطانة أن من يعطي الحب لا بـد أن يستقي منه أيضا، كذلك حاول السلطان أن يتدارك الموقف، لكن شجن السلطانة زاد عن حده ومده، فبلغ بها ذروة الوصل في مفاتنها، وحرك بها كل أحاديث الغـرام التي أصبحت في أرشيفها مُتباعدة ومتقادمة فهي تريد أن تعرف لماذا  جاء السلطان هذه المرة سهلاً وغير ناظرٍ لِمـا بعد الحرب، وزادت حيـرة السُلطانة وغيرتها في نفسها تريـد أن تتذكر متى كانت آخر مرة يقول فيها السلطان لها أُحبكِ؛ كي يبرأ جرح تفكيرها وتهدأ نوبتها في عقلها السارح، نعـم لقد تساءلت السلطانة كثيـرا وتحيرت، فهي لا تتذكر سوى كلماتٍ قالها لها قبل عام ونيـف حين جـاء متهللا بطعم الإنتصار على العـدو وبعد معارك  عـدة تذكرتها، بدأت تتذكر أن السلطان قال لها أُحبكِ يا سلطانتي فالجميع هنا لا يعرف إلا نفسه ولا يسمع بعد حديثه إلا حَتفه، وأنتِ تعرفين أن السلطان لا يعرف في حُكمِه مُستشارً ولا وزيــر ولا قريب  أو أميـر ولا وضيعا أو قدير، وهنا  حاولت السلطانة تدارك موقفها المفاجئ الذي صنعه السلطان بين وهلة وشتان، فهي ما زالـت بخندقٍ ساحبٍ لقدميها وحاجبٍ لمراميها، وعاقـدٍ على ردها المشؤوم في التبريـر والتصويـر والتكريـر، ومـا بوسعِها سـوى أنّ تناجد السلطان بالتحرير في مُساعدتها للخروج من المأزق الشديد، 

فهي ليست في هودج الزوجية المتنقل ولا صومعة الغريب والقاطن في قفره وحجره، والمتخاذل عن العيش بين الورى ودعس الثرى، إلا إنها لا تكاد تبحث عن سبب إلا وعاقبته قبل ذكره، وناتجهُ قبل فكره وباسلهُ قبل نجعه وهجعه، فقد غـدت تُعرض عن السلطان حين كانت تستدعِ أمـوره في الحكم أن تُشير عليه وتُأمله في قراره، حتى لا يدخل نبيذ الغانيات ومبلغ الفانيات؛ فعارضة الصبـر أكمل  من مُدام النـدم وثمرات كأس الهجوع أطيب من جمرات الفؤاد اللهيبة ونظرات العيون المُذيبة للشحم واللحم أظلم من مراياها العذبة والمُنزلة لماء الغيوم، وحلو الرواق من بين الثنايا والقواطب أبلغ من الذوائب والسواكب، وحتى عندما ترى مفرق الجيد وغايـة السطل وعنفوان الخصر في تُحفة القصر بين مـآرب الجنود وشعلة الحيود وحاجة الحب في كمال مبتغى الصب ومنتهى غاية الرب فهو الأروع والأصمع في خيالها وحياتها ولا يمكن لأي بشر أن يسرقه منها بأي صورة أو شكل وهكذا ظلت تجهل مشاعر السلطان الذي أنهكته الحروب والمستميت بنفسه والباحث عن ذاته في قلب السلطانة، وعله يوما أن يعرف أنها تحبه حقا، ولكنها لا تعرف كيف تحب وتطلق سراح الحب من القفص ليكون سلاحها الأمثل في السيطرة على عاطفة السلطان.

 خـاتـمــة 

إن السلطان لا يرى لنفسه قيمـة بغيـر أن يعرف مدى قُدرته على مَعرفة محبـته من رعيته، ولا تعلـو  الأُمنيات والأُغنيات شأنا وشأوا قبل أن تنظر أين أنت بين من ضمنت، وهكذا هو حال السلطان بين عامته، وبين خاصته لا يُشعرهم إلا بالبأس والشدة، فهو لا يريد أن يرى جوادً أصيـل، يمشي في الميدان مشي الإبل وكأنـهُ أفتقد لفارسه المغوار الذي يجعله يندفع بسرعة البرق تـارة وتـارة أُخرى برمش العينِ لا يُرى له أثـر، وكأن السلطان لا يرنو إلى شيء، إلا ويقتفي مثلما يجزع على طاعن السن بما يريد ذلك الفحل وبما يكتفي عليه بما هو من حديثٍ ومُبتكر، ولست أقضي في القول ولا أمضي فحال مثل السلطان أزاول مهنتي على علو همتي، وآهٍ وأواه كم كان قلبي يشتاق للعِتاق ويحن للرِفاق ويفتقد للرمح المُثقف والسيف النـزاري والدرع الحصين والخنجر الرصين، والخوذة المنيعة والمُزخرفة، وعلى من وفي من أُذيب همي ونَهمي في ما صار وقد كان عزمي ليس إلا تمنيا. 



 الكـاتـب/ تـــــامر التـــويــــج

عن الكاتب

تـامـر التـويـج

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

Translate

المتواجدون الان

جميع الحقوق محفوظة

مدونة | الدكتور محمد طاهر صالح